منذ فجر الإنسانية ظلّ التبرع إحدى أنبل صور الإنسانية، ودليلًا قاطعًا على أن الخير يسكن فينا، وإن خفت صوته أحيانًا، وفي ظلّ معاناة آلاف المرضى، خاصةً الذين أنهكتهم أمراض القلب، تتضاعف أهمية العطاء، لا كفعل موسمي، بل كمنهج حياة، وهنا تتجسّد رسالة جمعية أصدقاء القلب الخيرية.. ألا يُترك مريض خلف أبواب المستشفيات، ينتظر فرجًا قد لا يأتي، وأن يكون لكل إنسان فرصة متساوية في الشفاء، بفضل من شعر بالواجب الإنساني، وأدرك أن التبرع من أجل الخير قد يُنقذ ما لا تُنقذه الكلمات.
التبرع من أجل الخير.. نداء يولَد مع الإنسان
منذ أن يولد الإنسان يرافقه نداء خفي، صوت داخلي لا يُسمع بالأذن، بل يُشعَر بالقلب، ذلك هو نداء الخير.. النبض الأول الذي يُخبرنا أننا وُجدنا لا لأنفسنا فقط، بل لغيرنا أيضًا.
العطاء ليس فعلًا مكتسبًا، بل هو فطرة مغروسة في أعماق الوجدان، تُثمر إنسانية صافية حين تُروى بالنية الصادقة.
والخير لا يُعلَّم بقدر ما يُوقَظ، والتبرع أحد أبهى تجلّيات هذا الخير المتأصّل في النفس البشرية، وحين يمدّ أحدهم يده ليعطي، فإنه لا يمنح مالًا فحسب، بل يمنح الأمل، ويُحيي الرجاء، ويضخ في القلوب المنهكة دفقة حياة جديدة.
والتبرع ليس مقتصرًا على المال وحده، بل يشمل كل ما يُخفّف الوجع من وقت، وجهد، وكلمة طيبة، وحتى مجرّد الشعور بالمسؤولية.
وفي سياق العمل الخيري، تتجلّى عظمة التبرع من أجل الخير حين يُوجّه نحو الأشد احتياجًا، كمرضى القلب الذين يرزحون تحت وطأة الألم، ولا يملكون ترف الانتظار.
جمعية أصدقاء القلب الخيرية.. تبرعًا يعيش طويلًا
حين تأسّست جمعية أصدقاء القلب الخيرية لم تكن مجرّد مؤسسة لجمع التبرعات، بل كانت رؤية إنسانية عميقة تنظر لِما هو أبعد من المساعدات المادية.
فهي جسر بين القلوب، ومن يملكون القدرة على العطاء، ومن لا يملكون سوى الرجاء في الشفاء، وكانت ولا تزال نُقطة التقاء بين من يشعرون بالمسؤولية، ومن يعانون بصمت.
كل تبرع يُقدَّم عبر هذه الجمعية لا يُقاس بقيمته المادية فقط، بل بقيمته المعنوية، بتأثيره الممتد في الزمن.
فالعملية الجراحية التي تُجرى لمريض قلب بفضل تبرع كريم، لا تُنقذ جسدًا فقط، بل تُنقذ أسرة، وتُبقي أمًّا لأبنائها، وأبًا لأطفاله، وشخصًا فاعلًا في مجتمعه.
فتبرعك عبر جمعية أصدقاء القلب هو مساهمة في مشروع حياة مستدام، لا ينتهي عند حد المساعدة اللحظية، بل يُثمر على مدى العمر؛ فهو استثمار في الإنسانية، في استمرار النبض، وفي صناعة الأمل.
بِمَ سيؤثر التبرع؟
قد يبدو السؤال بسيطًا في ظاهره، لكنه يحمل من العمق ما يجعلنا نتأمل أثر كل درهم نتبرع به، فالتبرع ليس مجرد نقل مال من جيب لآخر، بل هو تحريك لعجلة الحياة في اتجاه الرحمة، فما الذي يفعله التبرع من أجل الخير بالضبط؟
- على المريض: التبرع يمنح المريض فرصة للنجاة، يخفف عنه عبء التكاليف التي غالبًا ما تعجز الأسر عن تأمينها، وفي حالات أمراض القلب، التأخير قد يكون قاتلًا، والتكلفة قد تكون حاجزًا بين الحياة والموت، لذا فالتبرع يُكسِر هذا الحاجز، ويفتح باب الشفاء.
- على عائلة المريض: الألم لا يصيب فردًا، بل ينتشر كالحلقة في الماء ليطال الجميع، وحين يُنقَذ المريض، تُنقَذ أسرته معه من الانهيار النفسي والمادي، والتبرع يزرع الطمأنينة في قلب أمّ كانت تخشى فقد ابنها، ويعيد البسمة إلى طفل كاد أن يُيتم.
- على المتبرع نفسه: العطاء الحقيقي لا يُنتظر منه مقابل، لكن الله قدّر للعطاء أن يُعيد النفع لصاحبه، نفسيًا وروحيًا، والمتبرع يعيش إحساسًا نادرًا من الرضا، ويُلامس أعماق النفس، ويجعل لحياته معنى أعمق، فهناك سكينة لا تُشترى، ولا تُكتسَب إلا حين تشعر أنك كنت سببًا في إنقاذ حياة إنسان.
- على المجتمع: في مجتمع يتبرع فيه القوي للضعيف، والغني للفقير، والمقتدر للمريض، تسود المودة وتقل الفجوات، فالتبرع ليس عملًا فرديًا فقط، بل هو فعل حضاري يُسهم في بناء مجتمع متماسك، لا يترك أحدًا خلفه، وكل تبرع هو لبنة في جدار التراحم المجتمعي.
نهايةً.. في زمن يضج بالضوضاء، يبت التبرع من أجل الخير صوتًا نقيًا يخترق الجمود، ويُعيد للإنسان قيمته، وحين يتعلّق الأمر بمرضى القلب، فإنك لا تمنح مالًا، بل تهب حياة، وجمعية أصدقاء القلب الخيرية تبحث عن أصحاب ضمير، يوقنون أن كل ريال قد يُعيد أمًّا لأبنائها، وأبًا لأسرته، ويُرجع النبض لقلب أوشك على السكون.
اقرأ أيضًا:
جمعية خيرية لعلاج القلب في السعودية "أمراض القلب.. واقع مرير إزاء الكثيرون"
كيف يُشكِّل التبرع الخيري للعمليات نوافذ الأمل للمرضى المحتاجين؟