في حياة المسلم رحلة روحية تحدث مرة واحدة على الأقل في العمر، رحلة تُنقى النفوس وتُصفى القلوب، رحلة يلتقي فيها المسلمون من كل بقاع الأرض على صعيد واحد، لا تفرق بينهم إلا التقوى، إنها رحلة الحج والعمرة، ذلك الركن العظيم الذي يجسد وحدة الأمة الإسلامية وحضورها إزاء ربها في مشهد مهيب، والحج والعمرة شعائر تنطوي على أحكام دقيقة وأركان راسخة، تحكم أداء هذه العبادات وتؤكد أنها ليست مجرد مناسك شكلية، بل أفعال تعبّدية عميقة الأثر والهدف، وفيما يلي نوضح تفصيليًا أحكام الحج والعمرة.
أحكام الحج والعمرة
إنَّ من أعظم العبادات التي شُرعت في الإسلام عبادة الحج والعمرة؛ لِما فيهما من إظهار التذلل لله عز وجل، والتجرد من متاع الدنيا، واستحضار مشاهد الآخرة في مواقف لا يشهد المسلم مثلها في حياته كلها.
يجتمع في الحج والعمرة بين الذكر والدعاء، والبدن والمال، والسفر والاغتراب، كل ذلك طلبًا لرضوان الله، واستجابة لأمره، وقد أمر الله تعالى بهما في كتابه، وفرضهما على المستطيعين من عباده، وفيما يلي نوضح أحكام الحج والعمرة وكل ما تحتاجه للاستفادة:
تعريف الحج والعمرة
من أولى التعمق في أحكام الحج والعمرة هو دراية التفريق بين كليهما وتعريفهم، كما نذكر تفصيليًا فيما يلي:
أولًا: الحج
الحج في اللغة هو القصد، وشرعًا هو القصد إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك مخصوصة في زمن مخصوص بنية التقرب إلى الله تعالى.
ويُعد الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، ولا يتم إسلام المرء إلا به لمن استطاع إليه سبيلًا، ويكفي في العمر مرة واحدة.
ثانيًا: العمرة
هي زيارة بيت الله الحرام لأداء طواف وسعي وحلق أو تقصير، وهي مشروعة باتفاق العلماء، وقد اختلفوا في حكمها هل هي واجبة أم مستحبة؟
فذهب الحنابلة والشافعية إلى وجوبها مرة في العمر، بينما قال الأحناف والمالكية إنها سنة مؤكدة، ولقد ورد في فضل العمرة ما يدل على عظيم أجرها في الأحاديث النبوية الشريفة.
شروط وجوب الحج والعمرة
إن شروط الوجوب تعني أن الشخص لا يُطالب بالحج أو العمرة إلا بتوافرها، وفي إطار التعرف على أحكام الحج والعمرة نذكرها:
- الإسلام: فلا يصح من غير المسلم؛ لأنه عبادة بدنية ومالية، لا تُقبل إلا من موحّد.
- البلوغ: فلا يجب على الصغير، وإن صح منه نفلًا، وإذا بلغ أثناء الحج وجب عليه إتمامه، وتجزئه عن الفريضة.
- العقل: فلا يجب على المجنون، ولا يصح منه، لأنه غير مكلّف.
- الحرية: فالحج لا يجب على العبد؛ لأنه لا يملك أمر نفسه.
- الاستطاعة: وتكون بوجود الزاد والراحلة وأمن الطريق وسلامة البدن.
أما المرأة، فيُشترط عليها وجود محرم للحج، فلا يجوز لها أن تسافر من دونه على القول الراجح من أقوال العلماء.
أركان الحج والعمرة
تُعدُّ الأركان في الشعائر الإسلامية بمثابة الأعمدة التي تستند عليها، فلا تقوم العبادة إلا بها، ولا يُقبل الحج ولا العمرة من دونها:
أولًا: الحج
اتفق جمهور العلماء على أن للحج أربعة أركان لا يتم إلا بها، ومن ترك ركنًا لم يصح حجه، وهي:
- الإحرام: وهو نية الدخول في النسك، وهو أصل العبادة، لا يُتَصوّر الدخول في الحج أو العمرة من دونه.
- الوقوف بعرفة: وهو أعظم أركان الحج، ولا يتم الحج إلا به، لقوله ﷺ: "الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه".
- طواف الإفاضة: وهو الطواف الذي يكون بعد الرجوع من منى، ولا يتم الحج من دونه.
- السعي بين الصفا والمروة: سبعة أشواط بعد الطواف، وهو ركن على الصحيح من أقوال العلماء.
ثانيًا: العمرة
فالعمرة أقل من الحج في الأركان، ويجدر بأن من ترك ركنًا من هذه لم تصح عمرته وعليه إعادتها، وهي:
- الإحرام.
- الطواف بالبيت.
- السعي بين الصفا والمروة.
واجبات الحج والعمرة
إنَّ الواجبات في الحج والعمرة تمثل القواعد التنظيمية التي تضبط أداء المناسك، فتُميّز بين الفرض والسنن، وتؤكد على ضرورة إتمام الأعمال التي أمر الله بها، والتي لا يصح تركها إلا بفدية:
أولًا: واجبات الحج
هي الأعمال التي يجب فعلها، ويأثم تاركها، ويُطلب منه الفدية إذا تركها، وهي:
- الإحرام من الميقات المكاني المحدد.
- الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس لمن وقف نهارًا.
- المبيت بمزدلفة ليلة العاشر.
- المبيت بمنى ليالي التشريق.
- رمي الجمار بترتيبها المعروف.
- الحلق أو التقصير.
- طواف الوداع للمفارق من مكة.
ثانيًا: واجبات العمرة
إنها أعمال واجبة، ومن ترك إحداها فعليه دم ولا تبطل العمرة أو الحج بذلك.. بخلاف الأركان:
- الإحرام من الميقات.
- الحلق أو التقصير.
المواقيت المكانية للحج والعمرة
تلك الأماكن التي لا يجوز تجاوزها من دون إحرام لمن أراد الحج أو العمرة، وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي:
- ذو الحليفة: لأهل المدينة ومن مرّ بها.
- الجُحفة: لأهل الشام.
- قرن المنازل: لأهل نجد.
- يلملم: لأهل اليمن.
- ذات عرق: لأهل العراق.
ويجب على من مر بهذه المواقيت وهو ينوي الحج أو العمرة أن يُحرم منها، ولا يجوز تجاوزها من دون نية النسك.
المواقيت الزمانية للحج والعمرة
إنها الأوقات التي تقوم فيها، ومن أهم أحكام الحج والعمرة التي لا يجب الإغفال عنها، وتشمل:
- للحج: أشهر، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة.
- العمرة: فيجوز أداؤها طوال السنة، بلا تحديد وقت.
لا شك أن فهم أحكام الحج والعمرة وتطبيقها بإخلاص وبصيرة هو الطريق الأمثل لنيل عظيم الثواب والجزاء، وتحقيق القرب من الله تعالى، فالعبد حينما يلتزم بكل تفصيل من تفاصيل هذه المناسك، يكون قد وفَّى فريضته على الوجه الذي يرضي ربه، وتكون مناسكُه وسيلة إلى تجديد العهد مع الله، وحياة جديدة تتجدد فيها الروح.
اقرأ أيضًا: