في عالمٍ يعجّ بالصراعات والنزاعات، ويئنّ فيه المريض من وطأة الألم، ويتقلب فيه المحتاج على فراش الحاجة، تظلّ يد المتبرع هي الأصدق، وخطوته هي الأعظم، فالتبرع موقف، وليس مجرد عطاء، بل تحوّل داخلي يجعل من الإنسان رسول خير في زمن الشحّ والجفاء، وفي ديننا الإسلامي العظيم، كان التبرع قارب النجاة، وحبل الرحمة، ومدخلًا من مداخل الجنة، فليس أجمل من أن تمتد يدك لا لتأخذ، بل لتعطي؛ لا لتجني، بل لتزرع أملًا جديدًا في قلوب أرهقها المرض واليأس، وفي السطور التالية سنتطرق بالحديث لنذكر لك أهمية التبرع في الإسلام.
أهمية التبرع في الإسلام
منذ أن بزغ نور الإسلام على الإنسانية، جاءت رسالته حاملةً قيم البذل والعطاء، وجعلت من الإحسان إلى الخلق ركيزة من ركائزها، بل واعتبرته عبادة لا تقل شأنًا عن الصلاة والصيام.
فقد تجذّر مفهوم التبرع في البنية العقدية والاجتماعية للتشريع الإسلامي، فهو ليس مجرد تصرّف تطوّعي، بل عبادة روحية وممارسة أخلاقية ذات بعد إنساني عميق.
فالقرآن الكريم زاخر بالآيات التي تحث على التصدق والإنفاق في سبيل الله، بل وتُقدّم المتبرّع على غيره، وترتقي به إلى مصافِّ المتقين، كما في قوله تعالى بسورة آل عمران: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".
تلك دلالةً على أن التبرع هو جسد البرّ وروحه، وأن المحبة الصادقة لا تكتمل إلا ببذل ما تعلّق به القلب، وهذا الحث شمل كل أشكال العطاء، من وقت وجهد، ودمع وابتسامة، ما دام في مصلحة الإنسان وصالح المجتمع.
وقد تجلى ذلك في سلوك النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان جوادًا معطاءً، لا يُمسك يده عن سائل، ولا يردّ ذا حاجة، وكان يُعلّم أصحابه أن العطاء حياة، وأنه ما نقص مالٌ من صدقة، بل تزدهر به البركة وتتضاعف به الخيرات.
والتبرع في الإسلام ليس استجابة عاطفية آنية فحسب، بل هو نظام اجتماعي متكامل، يُحقق التوازن الاقتصادي، ويقلّص الهوة بين الطبقات، ويصون كرامة الإنسان.
فالمجتمع الإسلامي يقوم على التكافل، لا على التنازع والتنافس المادي، بل يُربّي أفراده على شعور دائم بالمسؤولية تجاه الآخر، خاصة المريض، والفقير، والضعيف، والمحتاج.
وقد قرن الإسلام بين الإنفاق والإيمان، وربط بين العطاء والتقوى، فقال الله تعالى في سورة الذاريات: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم"، فالتبرع ليس تفضّلًا من الغني، بل حقٌّ مستحقٌّ للمحروم، وسدٌّ لفجوة اجتماعية لا تلتئم إلا بجبر القادر لعجز المحتاج.
ولم تتوقّف منافع التبرع عند حد الدنيا، بل وعد الله المتبرعين بالجزاء العظيم في الآخرة، حيث يُنادى عليهم من أبواب الجنة: "أين المتصدّقون؟"، فهم أصحاب منزلة خاصة ومكانة رفيعة.
وقد شبّههم القرآن بالزرّاع الذين يغرسون حبّات الخير فتنمو سنابل مضاعفة، فقال تعالى في سورة البقرة: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة".
ولهذا فإن التبرع في الإسلام ليس فعلاً ثانويًا أو هامشيًا، بل هو واجب أخلاقي ونداء ديني، تتقوّم به المجتمعات وتسمو به النفوس، ويتجلّى فيه الإنسان في أبهى صوره: "مُعطيًا، راحمًا، شفيقًا، كريمًا".
كيف يُغيّر التبرع وجه المجتمعات؟
حين يكون العطاء مبدأً، والتبرع ثقافةً، لا مجرّد طقسٍ موسمي أو اندفاعٍ عاطفي، يتحول المجتمع إلى كيان نابض بالرحمة، متماسك الأوصال، متكافل الأفراد.
فالتبرع ليس مجرد نقل مال من جيب غني إلى يد فقير، بل هو منظومة تغييرية تمسّ أعماق البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأي أمة.
إن المجتمعات التي يشيع فيها التبرع ترتقي سريعًا على سلّم الرقي الحضاري، لأنها تبني قواعد العدالة وتُعيد توزيع الثروات، وتُحوِّل الفائض إلى علاج لعوز المحتاجين.
فكل ريال يُنفق في موضعه، كل جهاز طبي يُقدَّم لمريض، كل دواء يُمنح لمن لا يملكه، يُحدث أثرًا مضاعفًا، لا يُقاس بثمنه، بل بتأثيره الممتد في حياة الإنسان.
إن التبرع يُحرّر الإنسان من أنانيته، ويُربّيه على الإيثار والتضامن، ويصنع في قلبه مشاعر الانتماء إلى مجتمعه، فيدرك أنه ليس كائنًا معزولًا، بل هو جزء من نسيج حيٍّ متكامل، عليه أن يسهم في رعايته وصيانته.
وعندما يوجه المجتمع تبرعاته نحو مجالات مؤثرة، كالصحة والتعليم والإسكان، فإن مخرجات ذلك تكون عظيمة الأثر:
- فالمريض يُشفى، فيعود إلى عمله ومنفعته.
- والطالب يتعلّم، فيصبح مهنيًا نافعًا.
- والمُعسِر يجد السكن، فيأمن ويستقر.
كل هذه التحولات تُسهم في بناء مجتمع منتج، لا مستهلك؛ معطاء، لا متواكل؛ ناهض، لا متداعٍ.
1- اقتصاديًا
ومن زاوية اقتصادية، فإن التبرع يُنعش الدورة المالية، ويُقلل من الأعباء على الحكومات، ويُساهم في توجيه المال نحو مشاريع تنموية تطوعية، تُوظَّف فيها الطاقات، وتُستثمر فيها الكفاءات.
بل إن التبرع الذكي حين يكون ضمن مؤسسات محكمة التنظيم يصنع الفارق، ويحوّل الأزمات إلى فرص للنمو والتقدم.
2- نفسيًا
أما من الناحية النفسية، فالمجتمع المتبرّع مجتمع سعيد، متصالح مع ذاته، تسوده مشاعر الطمأنينة والتعاطف، وتنخفض فيه معدلات الجريمة والكراهية والحقد، لأن جذور الغضب غالبًا ما تنشأ من شعور بالحرمان والتهميش، وهي أمور يُداويها التبرع.
وباختصار التبرع لا يُغَيّر فقط حياة فرد، بل يُعيد تشكيل المجتمع برمّته، ويُصنع به الفرق الحقيقي بين حضارة تنهض على التكافل، وأخرى تنهار تحت وطأة الأنانية والجشع.
جمعية أصدقاء القلب الخيرية.. السبيل لإنقاذ الحياة
في زحمة الألم وصمت المعاناة، ثمة بصيص أمل يتسلل إلى قلوب المرضى.. بصيص يتمثّل في يدٍ ممدودة بالخير، في مبادرة صادقة، في تبرع قادر على إنقاذ حياة.
هنا تتجلّى جمعية أصدقاء القلب الخيرية كمنارة إنسانية، وكجسر بين قلوبٍ تعاني وأخرى تبذل، والتي تأسست على قناعة راسخة بأنّ المرض لا يُفرّق بين غني وفقير، وأنّ القلب قد يتوقف فجأة، فقط لأن صاحبه لم يملك تكلفة عملية، أو لم يجد دواءً يُبقيه على قيد الأمل.
تعمل الجمعية في قلب المشهد الصحي الخيري، وتُخصّص جهودها لدعم مرضى القلب ممن أعجزهم المرض وأثقلهم الفقر.
فتتكفّل بجراحات القلب المفتوح، وتدعم عمليات القسطرة، وتتابع حالة المرضى صحيًا ونفسيًا، وتسهم في علاج الأطفال المصابين بعيوب خلقية قلبية، ممن لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في بيئة تعجز عن تأمين حاجاتهم.
ليست الجمعية مجرّد مؤسسة خيرية، بل هي روح تتنقّل بين غرف العناية، تهمس في أذن المريض: "لست وحدك".
وهي يد تربّت على كتف الأرملة، والأب الذي لم يجد ثمن دواء لطفله، والمسن الذي يتألم بصمت. تعمل الجمعية بأطر إدارية دقيقة، وبشراكات فاعلة مع المستشفيات، وشفافية مالية تجعل من كل تبرع قصة حياة جديدة.
إن كل مبلغ يُقدّم للجمعية هو لبنة في صرح الإنسانية، وكل جهاز تُوفّره الجمعية هو نبضة قلب عادت، وكل مريض يُشفى هو صفحة مضيئة في سجل العطاء.
فكيف لا نمدّ يد العون، ونحن نعلم أن هنالك من ينتظر الحياة؟ كيف نُمسك عن التبرع، ونحن ندرك أن تبرعًا واحدًا قد يكون الفرق بين نبضة تتوقف، وأخرى تستمر؟
لقد جعل الإسلام من التبرع صمام أمان للمجتمعات، ومدرسة لتربية النفوس، ومحكًا حقيقيًا لصدق الإيمان، ومن أجمل تجليات هذا العطاء، ما تقوم به جمعية أصدقاء القلب الخيرية، من جهود جبّارة لإنقاذ من لا حول لهم ولا قوة، فكل من يشارك في هذا المشروع الإنساني، هو شريك في الخير، وباذل في سبيل الله، وطالبٌ لمغفرةٍ لا تُشترى إلا بالبذل.
اقرأ أيضًا:
كيف يُشكِّل التبرع الخيري للعمليات نوافذ الأمل للمرضى المحتاجين؟
التبرع من أجل الخير.. نداء يولَد مع الإنسان