التكبيرات في الحج.. لغة القلوب قبل النطق

12 مايو 2025
جروميرس
التكبيرات في الحج

في كل عام يهبّ ملايين المسلمين لأرض مكة المكرمة، والتي فيها تتعانق الأجساد في طواف حول الكعبة، ولكن قبل بدأ تلك الرحلة العظيمة التي لا مثيل لها، يصدح في آذانهم بتكرار صوت واحد وهو "الله أكبر"، تلك التكبيرات في الحج لا تقتصر على كلمات تُقال، بل إنها مواقف قلوب حية تتحد في إعلان عظمة الله، وفي هذه اللحظات يتحول التكبير من مجرد ذكر لفظيّ لنداء روحي، يملأ الأرواح شوقًا ويطهر النفوس، وهذا يجعل من كل لحظة في الحج فرصة لتجديد التوحيد والإيمان.

التكبيرات في الحج.. لغة القلوب قبل النطق

حينما يوّلع الحاج بالتكبير، فإنه لا يفعل ذلك عادةً أو تقليدًا فارغًا من المعنى، بل إنه يُطلقها من قلب ذاق عظمة الخالق وأدرك ضالة المخلوق.

التكبير ليست مجرد عبارة، بل شعور وقناعة راسخة بأن الله تعالى أعظم من كل شيء، من كل ذنب، ورغبة، وطاغية، ومن كل ما يشغل القلب عنه.

فالحاج حينما يُكبّر يخلع عن روحه ثياب التعلق بالدنيا، ويستبدلها برداء العبودية الخالصة، وكأن ذلك التكبير هو جسر بين القلب والأبدية يعبُر به المسلم من صخب الحياة لسكينة اليقين.

متى تُرفع التكبيرات؟

تتعدد مواضع التكبيرات في الحج وتتنوع، ولكنها جميعًا تصبّ في بحر التوحيد:

  • التكبير المطلق: وهو يُقال في أي وقت، منذ دخول عشر ذي الحجة، في البيوت والأسواق والطرقات، تعبيرًا عن تعظيم الله وشكره على بلوغ هذا الموسم الشريف.
  • التكبير المقيّد: ويبدأ من بعد صلاة الفجر يوم عرفة (لغير الحجاج) أو من بعد صلاة الظهر يوم النحر (للحجاج)، ويستمر حتى عصر آخر أيام التشريق، ويُقال عقب الصلوات المفروضة؛ ليكون ختم العبادة بتعظيم الله والثناء عليه.

ما الحكمة من التكبيرات وتكرارها؟

قد يتساءل البعض: لماذا نُكرر "الله أكبر"؟ ما الحكمة من ذلك؟ وهذا ما يعرفه من ذاقه، فالتكبير ليس سؤال عقل، بل وجدان قلب.

إنه إعلان دائم بأن كل ما في هذه الحياة صغير، إلا الله تعالى، إن كل مناكب الدنيا، من سلطة، ومال، وشهرة، وتعب، لا تساوي شيئًا أمام "الله أكبر".

إن التكبير في الحج يُعلّمنا درسًا أبديًا، حينما ترفع قلبك لله، تصغر الدنيا كلها في عينيك، ولعل الحاج يعود من رحلته وفي قلبه يقين جديد، بأن كل لحظة يمر بها، وكل ضيق يثقل صدره، وكل رزق يؤمّله، ما هو إلا اختبار لصدق إيمانه بهذه الكلمة العظيمة.


نهايةً.. إن الحج رحلة جسد، لكنها أولًا وأخيرًا رحلة قلب أيضًا، والتكبير في الحج هو صوت هذا القلب حينما يصل إلى ذروة يقينه، ويعلن أنه رأى الله تعالى بأسمائه وصفاته في كل مشهد وموقف، لذا فلتُكثر من التكبير، لا فقط بالألسنة، ولا بالسلوك، والصبر، والرضا، والعبادة؛ حيث إن "الله أكبر" ليست فقط جملة تُقال وتُكرر، بل إنها حياة تُعاش.

اقرأ أيضًا: