في زمنٍ تتلاشى فيه القيم وتتناثر فيه المعاني، يبقى الحجُّ شعيرةً خالدةً تجمع القلوب على المحبة والطاعة، وتحمل في طياتها من الحكمة والدروس ما يعجز عنه غيرها من الشعائر، فالحج ليس مجرد رحلة جسدية عبر الصحراء، بل رحلة قلبية في أعماق النفس نحو الله تقتضي إخلاص النيّة، وصفاء الذهن، وعمل الصالحات، وهذا المعنى السامي لا يكتمل إلا بفهم الأحاديث النبوية التي جاءت تشرح بدقة تفاصيل المناسك، وتبين آداب الحاج وأخلاقه، وفي كل سُنّةٍ نورٌ يهدي الحاج إلى طريق الخلاص والفلاح، وفي السطور التالية نذكر لك كثير من احاديث الحج.
احاديث الحج
إنَّ الحجَّ ركنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام، وفرض على كل مسلم قادر على أدائه مرةً واحدةً في العمر، وقد خصه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بسلسلةٍ احاديث الحج تُبيِّن معالمه، وتشرح كيفية أدائه، وتحثُّ على تقواه وحُسن خُلُقه خلاله، كما يُذكر فيما يلي:
1- مكانة الحج في الإسلام
قال الله تعالى في كتابه العزيز: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" (الحج: 27).
وهذا الأمر الإلهي جاء مصحوبًا بحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي بيَّن فضل الحج، ومنها ما رواه الإمام البخاري ومسلم:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ وَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".
هذا الحديث يؤكد على الطهارة المعنوية التي يجب أن يتحلى بها الحاج، فلا يفسق ولا يرفع صوته باللغو والرفث، فالحج ليس مجرد رحلة بدنية، بل رحلة روحية تطهر النفس وتُقرّب العبد من ربه.
2- سنن الحج وأركانه
ورد في احاديث الحج ما يُبيّن كيفية أداء الحج بالخطوات، ومنها: "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحَجُّ عَرَفَاتٌ، وَالْعَرَفَاتُ مَشْرِفَةُ الْحَجِّ، وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَقَدْ أَتْمَمَ الْحَجَّ".
هذا الحديث يبيّن أن الوقوف بعرفة هو جوهر الحج وأساسه، فلا يُعد الحج حجًّا إلا بالوقوف في عرفة، والعرفاتُ هي مكانٌ يقع شرق مكة، والوقوف بها في يوم عرفة هو ركن الحج الأعظم.
3- الإحرام في الحج
إن الإحرام هو النية والدخول في حالة خاصة للحج أو العمرة، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْإِحْرَامُ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ" رواه البخاري ومسلم.
هذا الحديث يدل على وجوب الإحرام في بداية الحج، وهو شرط لصحة المناسك، وما إن اختفى فعليه الإعادة.
4- التلبية في الحج
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبِّي فِي حَجِّهِ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ".
حيث إن التلبية تُعبّر عن إجابة الدعوة الإلهية والتجرد من الذات في سبيل الله، ولا حج من دون تلبية وتكرار.
5- رمي الجمرات
رمي الجمرات من السنن المهمة التي تعيد ذكر النبي إبراهيم -عليه السلام- وتجسّد صراعه مع الشيطان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَن رَمَى الجَمَرَةَ فَكأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَتَهُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ"، وهذا الحديث يدل على عظمة هذا الفعل ومكانته في الحج.
6- الأخلاق والآداب في الحج
إن الحج مدرسة تربوية عظيمة تعلم المسلم الصبر والتسامح وحُسن الخُلق، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحَجُّ مَشْعَلَةٌ تَطْفَؤُهَا الإِثْمُ وَالنِّفَاقُ".
ومن الأحاديث التي تحث على التحلي بالأخلاق الحميدة في الحج: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَن حَجَّ وَلمْ يَرفُثْ وَلَمْ يَفسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".
والرفث هنا يعني الغيبة، والفسق يشمل كل ما يفسد أعمال الحج، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث الحاج على أن يكون طاهر القلب واللسان.
7- التقوى والبراءة
الحج المبرور هو الذي لا يعتريه فسق ولا رفث، وله أجر عظيم عند الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنّة"، وهذا الحديث يجعل للحاج حافزًا كبيرًا للتمسك بالتقوى والبراءة أثناء الحج.
نهايةً.. إن الحج مدرسة إيمانية عظيمة تقدم للمسلم فرصة فريدة للعودة إلى الله، وطمس الذنوب، وتحقيق التقوى، وأُحاط هذا الركن العظيم بأحاديث نبوية شريفة تبيّن تفاصيله ومناسكه، وتحث على حسن الأدب والتزام الآداب والسنن، فالحج رحلة روح وجسد، وله مكانة عظيمة في الإسلام، تجعل من الحاج إنسانًا جديدًا، متسامحًا، طاهر القلب، متيقنًا بقرب الله.
اقرأ أيضًا: