إن الحج أعظم تجمّع عباديّ في الإسلام، حيث يمتزج البعد الروحي بالتنظيم العملي، وتلتقي النفوس على صعيد واحد، غير أن تأدية هذا الركن العظيم لا تكتمل بالنية والعزم فقط، بل تتطلب وعيًا عميقًا بكل ما يترتب عليه من أركان وواجبات، حتى لا يكون الجهد ضائعًا، ولا العبادة منقوصة، لذا في السطور التالية سنتطرق للحديث عن واجبات الحج تفصيليًا.
واجبات الحج
الحج ليس مجرد حضور جسدي إلى المشاعر المقدسة، بل التزام دقيق بجملة من الأفعال التي شرعها الله لتكتمل بها شعائر هذا الركن العظيم.
فكما أن للحج أركانًا لا يصح من دونها، فإن له واجبات لا يتم إلا بها، من تركها تعمّدًا فقد عرض حجه للنقصان، ومن نسيها فعليه الفدية.
وفهم واجبات الحج ومعرفة حدودها من الأهمية بمكان لكل من أراد أن يكون حجه صحيحًا مقبولًا، وفيما يلي سنعرفك على واجبات الحج:
1- الإحرام من الميقات
من أول واجبات الحج أن يُحرِم الحاج من الميقات الذي حدده الشرع، والمواقيت تختلف حسب موقع الحاج، وهي أماكن معينة زمنية ومكانية يجب الإحرام منها أو عندها.
مثل ميقات ذو الحليفة لأهل المدينة، ويلملم لأهل اليمن، والجُحفة لأهل الشام، وقرن المنازل لأهل نجد، وذات عرق لأهل العراق.
من أحرم بعد الميقات دون عذر فعليه دم، لأنّه ترك واجبًا، وهذا يُعلّم الحاج الدقة في الامتثال لأمر الله، فلا يقدّم على شيء إلا بعد تحقّق الشرط والزمن والمكان الذي حدده الشارع الحكيم.
2- الوقوف بعرفة إلى الغروب
الوقوف بعرفة ركن لا يصح الحج إلا به، ولكن من واجباته أن يبقى الحاج واقفًا إلى غروب الشمس إن كان قد وقف نهارًا، اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي وقف إلى أن غربت الشمس.
فمن تعجّل وانصرف قبل الغروب دون عذر فقد ترك واجبًا وعليه دم، وهذا الموقف، بجلاله وقدسيته يذكّر الحاج بيوم الحشر والموقف بين يدي الله، فكان واجبًا أن يُؤدّى على أكمل وجه.
3- المبيت بمزدلفة
بعد مغادرة عرفة، يجب على الحاج أن يبيت في مزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجة، إلى ما بعد منتصف الليل، ويفضّل إلى الفجر.
ويُعفى أصحاب الأعذار والضعفاء من كامل المبيت، لكن الأصل في الحاج الصحيح القادر أن يبيت بها.
هذا المبيت واجب، وتركه يُوجب دمًا، وفيه دروس في الطاعة، والمشقة المحتسبة، والانضباط الجماعي، والخضوع لله تعالى في كل تفصيل.
4- رمي الجمرات في أيام التشريق
رمي الجمرات من واجبات الحج العظيمة، وتؤدى على النحو الآتي:
- جمرة العقبة الكبرى: تُرمى يوم العيد (العاشر من ذي الحجة).
- الجمرات الثلاث: تُرمى في أيام التشريق (11 و12 و13)، وهي: الصغرى، الوسطى، الكبرى.
يجدر بالذكر أن الرمي يُجسّد رمزية مقاومة الشيطان ورفض وساوسه، تأسّيًا بأفعال إبراهيم عليه السلام.
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى الجمار بنفسه، وأمر أمته بذلك، ولا يُعفى من الرمي إلا أصحاب الأعذار، وفي هذه الحالة يُنيب غيره.
5- المبيت بمنى في ليالي التشريق
يُعد المبيت بمنى في ليالي التشريق من واجبات الحج، وقد بات فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بذلك، وهي تتيح للحاج الفرصة لمزيد من الذكر، والتأمل، وتكرار الرمي في هدوء وترتيب.
ويجوز التعجّل بعد يومين بشرط الخروج قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر، أما من تأخر لليوم الثالث عشر فذلك أفضل.
6- الحلق أو التقصير
بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة يوم العيد، يجب على الحاج أن يحلق رأسه أو يقصّره، والحلق أفضل للرجال، أما النساء فيُقصرن قدر أنملة فقط.
وقد ورد الحثّ الشديد في السنّة على الحلق والتقصير، لما فيه من رمزية التجرد من الدنيا والزينة، والخضوع التام لأوامر الله.
7- طواف الوداع
طواف الوداع واجب على كل حاجّ يريد الخروج من مكة، ويُؤدّى آخر ما يقوم به قبل المغادرة، أما الحائض والنفساء فيُعفيان منه، ومن خرج دون طواف الوداع فعليه دم.
ويُظهر هذا الطواف مدى تعظيم البيت الحرام، وختم النسك بذكر الله والطواف به، كمن يودّع محبوبًا لا يدري هل يلقاه ثانية.
حكم ترك واجبات الحج
من ترك واجبًا من واجبات الحج عمدًا أو نسيانًا، فعليه دم "ذبح شاة وتوزيعها على فقراء الحرم"، ولا يبطل حجه، لكنه ينقص.
أما إن لم يكن قادرًا على الدم فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، كفدية ترك الإحرام من الميقات مثلًا.
وهذا يُبرز رحمة الشريعة وتيسيرها، فهي لا تُبطل العمل كله بتقصير، ولكنها توجب الكفّارة لتحقيق التوازن.
نهايةً.. فواجبات الحج ليست تفاصيل ثانوية، بل أعمدة مساندة تُكمل بناء النسك، وتضمن خروجه في صورة ترضي الله وتُثبّت أثره في النفس، ومن فرّط فيها فقد نقص حجه وإن صحّ، وعليه أن يجبر النقص بالفدية والتوبة.
اقرأ أيضًا: